الحالة #الثقافية #في #قطر#
- Rana
- Jan 6, 2019
- 5 min read
إن التحدث عن الثقافة ليس بالأمر السهل، لذلك قبل التطرق للحالة الثقافية في دولة قطر، لابد لنا من نظرة سريعة عن مدلول الثقافة. الثقافة هي كيان و حضارة، هي تراكم ثقافي يحمله الإنسان و تعكسه تصرفاته طول حياته. كما أن الثقافة تتلخص قيمتها في جمع بين الماضي و الحاضرو المستقبل، بين الإنسان المتعلم و غير المتعلم. الثقافة تراث متراكم. الثقافة ليست علما من العلوم بل هي سبقت العلوم، كما أنها ممكن أن تكون المنقذ الوحيد و المقترح الشافي للأفات التي يعاني منها العالم العربي. إن ملخص هذه الورقة البحثية سيستطلع الحالة الثقافية في قطر و يقرأ الواقع من منظار خبرة الباحث مرزوق بشير بن مرزوق و التي نشرت بتاريخ 6 فبراير عام 2012 أكثر من منظار الاعتماد على المراجع و الدراسات. و هنا يجب أن نشير إلى اندماج الثقافة القطرية مع الثقافة العربية، فهي جزء لا يتجزأ منها، ولذلك ما يقع على الثقافة العربية من حسن أو سيء، ستتأثر به الثقافة القطرية.
مدخل لتعريف بعض المصطلحات:
الثقافة: يختلف الباحثون حول تحديد تعريف محدد لمصطلح الثقافة و ذلك لاختلاف رؤية و منطلق كل منهم. إلا أن تعريف الثقافة يتفرع إلى تعريفين أساسيين الأول تتبناه المدرسة الغربية و التي ترى أن الثقافة ثمرة فكر، و المدرسة الماركسية التي ترى أن الثقافة جوهرها ثمرة المجتمع. لكن معظم الباحثين في مجال الثقافة اعتمدوا التعريف الذي جاءت به اليونسكو وهو مجموعة من الصفات المادية و الروحية و الفكرية التي تميز فئة اجتماعية معينة، تشمل الفنون و الآداب و طرائق الحياة، كما تتضمن حقوق الإنسان و نظم القيم و التقاليد والمعتقدات، و تمنح الثقافة الإنسان القدرة على التفكير بذاته و تجعل منه كائنا تميزه الإنسانية و العقلانية و القدرة على النقد والالتزام الأخلاقي. هي سبيل الإنسان للتعرف على ذاته كمشروع غير مكتمل و إعادة النظر في إنجازاته و البحث عن مدلولات جديدة و إبداع أعمال يتفوق فيها على نفسه.
التثاقف: أما مصطلح التثاقف كما ذكر بالعديد من الأدبيات الثقافية يعود إلى الإقرار أنه ليس هناك ثقافة واحدة سائدة. التثاقف وسيلة أكثر منها مصطلح. ينطوي تحت مسمى هذا المصطلح هيمنة ثقافة القوي على ثقافة الضعيف ثم تكييفها من خلال فرض نمط ثقافي معين. يؤدي التثاقف إلى مفهومين متداخلين مع بعضهما، الأول: الإحلال الثقافي و الذي يكون باستبدال ثقافة ما بثقافة أخرى وغالبا ما يسوق له على أساس حوار بين الثقافات. أما المفهوم الثاني هو التبعية الثقافية و تعني انقياد أمة إلى أمة أخرى لأسباب اجتماعية أو علمية.
الواقع الثقافي في قطر:
يميز الباحثون عادة بين ثلاثة أنواع من الثقافة السائدة في المجتمع الخليجي و ذلك تبعا للفترات التي مرالخليج بها، فأولها كان ماقبل ظهور النفط و سميت بالثقافة الأصلية حيث ارتبط الإنتاج الثقافي بعلاقة الإنسان المباشرة بالمهن من غوص و قنص و غيرها، فكانت تتزامن مع نشاطات مثل الرقص و الغناء و التي لاشك في استيرادها أيضا بحكم السفر و التجارة إلا أن الإنسان الخليجي كيفها لتكون متلائمة مع واقعه. أما الثقافة التي سيطرت بعد ظهور النفط هي ثقافة وافدة، فقد تأثرت ثأثرا كبيرا بحكم العمالة الوافدة والحرفيين و الخبراء الذين فرضوا ثقافاتهم و عطلو بالنتيجة الإنتاج الثقافي، فتردى حال الثقافة حتى تحولت إلى تراث يحتفى به و لايمارس. و النوع الثالث يسمى بالثقافة التوفيقية بين الثقافتين الأصلية و الوافدة.
و بطبيعة الحال ينطبق ذلك على الثقافة القطرية التي عاصرت نفس الفترات قبل و بعد ظهور النفط. فقد تمازجت الثقافتين البرية و البحرية على أرض قطر ذات المساحة الصغيرة و التي كانت ميزة من أحد ميزات سهولة و يسر انتقال أهاليها. نتيجة لذلك اندمجت كلتا الثقافتين البرية و البحرية، و أصبح هناك مصدرا ثقافيا واحدا لأهالي قطر توارثها القطريون أبا عن جد، و انعكس ذلك في أسفارهم و أغانيهم عند ذهاب الناس في رحلات الغوص الطويلة و عودتهم و ملابسهم وكافة جوانب حياتهم المعيشية. لكن الأمر تغير عندما تحول أهل قطر عن البر و البحر إلى العمل بالمصدر الجديد للثروة و اكتشاف النفط. لم يبق حال الثقافة القطرية عما هو عليه، بل واجهت تحديا كبيرا كما هو حال المجتكع الخليجي بأكمله تأثر بالثقافات الجديدة الوافدة. و أما التحدي الأكبر كان تقليص دور القبيلة المركزي مع تصاعد دور الحكومة المركزي عن طريق مؤسساتها المختلفة. ومن التحديات أيضا كان بدء اندثار الكثير من المهن و الحرف التقليدية التي كانت جزءا من ثقافة المجتمع القطري، و لم يتوقف الأمر عند ذلك بل تجاوزه إلى رفض أجيال النفط للعمل اليدوي و مما زاد الطين بلة ظهور ملامح ثورة وسائل الاتصال الجماهيري. فبدأ المجتمع بفقد أصالته و ثقافته و تراثه. لذا كان لا بد من تحرك سريع من الجهات المسؤولة بدول المنطقة و إعادة الوعي بأهمية الثقافة و إنشاء مؤسسات لاسترجاع ما فقد أو على الأقل المحافظة على ما بقي.
إدارة الشأن الثقافي:
شعر بعض أبناء قطر أن هناك خطر يهدد ثقافتهم العربية و الإسلامية مما أدى إلى مبادرتهم بتنظيم مؤسسات تهتم للشأن الثقافي. ففي عام 1966 تأسس نادي الطليعة الثقافي على يد الدكتورعلي الكواري وعدد من زملائه، و كان نموذجا مهما أكد على ضرورة الاهتمام بالثقافة. ثم تجلت هذه الأهمية من خلال مبادرات شخصية من أهل قطر كإنشاء المسرح القطري و تشجيع الأعمال اليدوية، إلى أن أنشئت وزارة مستقلة تهتم بالشأن الثقافي و الفني. لا بد ذكر أنه بعد ذلك تعسرت هذه المبادرات و الحالة التطورية للثقافة و تعطلت شؤون بعض الأعمال و لم تستكمل الكثير من المشاريع الثقافية كالمكتبة الوطنية و أيضا إغلاق متحف قطر الوطني لعدة سنوات. كما يلاحظ أنه في السنوات الأخيرة حدث ارتباك و تذبذب تنظيمي في تحديد الجهة المسؤولة عن إدارة الشأن الثقافي، فمن وزراة الإعلام إلى وزارة التعليم ثم أخيرا إلى وزراة مستقلة سميت بوزارة الثقافة و الفنون و التراث. بالرغم من وجود جهة مستقلة واحدة، إلا أن تعدد الجهات الثقافية و تقاسم المهام مع الوزارة المعنية مثل مؤسسة الحي الثقافي كتارا و سوق واقف و غيرها، أدى إلى حدوث بعض من عدم التنسيق و ضياع الهوية الثقافية. لذا لابد من جمع كل المؤسسات الفرعية تحت نطاق واحد ذو رقابة لتنسيق و متابعة الأنشطة التي تناسب و تخدم صالح الوطن و المواطن.
استراتيجية التنمية الوطنية: (2011-2016)
انطلقت هذه الاستراتيجية من رؤية قطر 2030، و ضمت عدد من المشاريع تحت ما يسمى النمو الثقافي في مجتمع إبداعي و استثنائي. و لوحظ أنها اعتمدت على أربع ركائز أساسية ليس من بينها الركيزة الثقافية لكن أشير لها ضمن ركيزة التنمية الاجتماعية. و هي المحافظة على التراث الثقافي الوطني و تعزيز القيم و الهوية العربية الإسلامية. يتفق الباحث مع مداخلات كل من الدكتور علي الكواري و الأستاذ عيسى الغانم على موقع الدكتور علي الالكتروني إلا أنه يضيف أن هذه الاستراتيجية أقرب ما تكون إلى التمنيات منها إلى الحقائق ممايعيق هذه الاستراتيجية و تحقيقها. و أضاف أن هناك إشكاليات أخرى تواجه الثقافة و المثقف في قطر مثل هيمنة الأنشطة الثقافية الأجنبية مقابل النشطة المحلية المحدود أو شبه المعدومة. و أيضا غياب مشروع ثقافي و طني قادر على منافسة الفنون الوافدة مما يؤدي إلى انسحاب المبدع الوطني. و أكثر تحدي و إشكال معاصر يواجه في قطر هو ازدوجية الثقافة اللغوية بين الأجيال الناشئة نتيجة عدم الاهتما باللغة العربية و تمكين لغات أجنبية عليها. و أخيرا انتشار و سائل التواصل الاجتماعي كتحدي للمبدع في إبداعه.
Comments